متن : فی اقتصاص مذاهب الحكماء الاقدمين فی المثل و مبادی‏ء
التعليميات والسبب الداعی الی ذلك و بيان أصل الجهل الذی وقع لهم حتی‏
زاغوا لاجله .
قدحان لنا أن نتجرد لمناقضه آراء قيلت فی الصور والتعليميات‏
والمبادی‏ء المفارقه والكليات مخالفه لاصولنا التی قد قررناها ، وان كان‏
فی صحه ما قلناه و اعطائنا القوانين التی أعطيناها تنبيه للمستبصر علی حل‏
جميع شبههم و افسادها و مناقضات مذاهبهم ، لكنا مستظهرون بتكلف ذلك‏
بأنفسنا لما نرجو أن يجری فی ذلك من فوائد ذكرها فی خلال مقاوماتنا اياهم‏
يكون قد ذهب علينا فيما قدمناه وشرحناه .
و نقول : ان كل صناعه فان لها نشأه تكون فيها نيئه فجه غير أنها تنضج‏
بعد حين ، ثم انها تزداد و تكمل بعد حين آخر ، ولذلك كانت الفلسفه فی‏
قديم ما اشتغل بها اليونانيون خطبيه ، ثم خالطها غلط و جدل ، و كان‏
السابق الی الجمهور من أقسامها هو القسم الطبيعی ، ثم أخذوا ينتبهون‏
للتعليمی ، ثم للالهی ، و كانت لهم انتقالات من بعضها الی بعض غير سديده‏
، و أول ما انتقلوا عن المحسوس الی المعقول تشوشوا ، فظن قوم أن القسمه‏
توجب وجود شيئين فی كل شی‏ء ، كانسانين فی معنی الانسانيه : انسان فاسد
محسوس و انسان معقول مفارق أبدی لا يتغير ، وجعلوا لكل واحد منهما وجودا
، فسموا الوجود المفارق وجودا مثاليا ، وجعلوا لكل واحد من الامور
الطبيعيه صوره مفارقه هی المعقوله ، واياها يتلقی العقل ، اذ كان المعقول‏
أمرا لا يفسد ، و كل محسوس من هذه فهو فاسد ، وجعلوا العلوم والبراهين‏
تنحو نحو هذه واياها تتناول .
وكان المعروف بأفلاطون ومعلمه سقراط يفرطان فی هذا الرأی و يقولان ان‏
للانسانيه معنی واحدا موجودا يشترك فيه الاشخاص و يبقی مع بطلانها و ليس‏
هو المعنی المحسوس المتكثر